الفتوىموضوعات معاصرة
هل الشريعة تصلح لكل زمان ومكان ؟؟؟
هل الشريعة تصلح لكل زمان ومكان ؟؟؟
صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان من المعلوم بالضرورة من الدين، وقدِ انعقد عليها إجماع السابقين واللاحقين منَ المسلمين، وهي تعتمد على أنَّ هذه الشريعة هي الشريعة الخاتمة، التي نسخ الله بها ما قبلها منَ الشرائع، وأوجب الحكم بها والتحاكُمَ إليها إلى أن يَرِثَ الله الأرض ومَن عليها، وتَوَجَّهَ الخطابُ بها إلى أهل الأرض كافَّةً، مَن آمن منهم بالله واليوم الآخر، فلا بد إذًا أن تكون منَ الصلاحية بحيث تُلَبِّي حاجاتِ البشرية في مختلِف أعصارها وأمصارها، وتُحَقِّقَ مصالحها في كل زمان ومكان
فتعالوا معا نتدبر هذه الأسئلة:
• هل خُتِمَتِ الرسالات حقًّا بمحمد؟
لقد تَوَلَّى اللهُ الإجابة على ذلك بنفسه فقال: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ﴾ [الأحزاب: 40].
• هل أوجب الله الحكم بشريعته، وحذَّر منَ العُدُولِ عنها أوِ التحاكم إلى غيرها؟
لقد تولى الله سبحانه الإجابةَ على ذلك؛ فقال: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [المائدة: 49]، ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الجاثية: 18]، ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65]، ﴿ وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 47].
• هل نُسختْ هذه النصوص التي تُلزِم بهذه الشريعة، وتوجِب الحكمَ بها، وتَنْفِي الإيمان عمَّن خالفها؟
لا شكَّ أن الجواب على ذلك هو النفيُ القاطِعُ؛ فإن النسخ لا يكون إلا في زمن البَّعْثَةِ؛ لأن هذا الحق ليس لأحد من دون الله، ولا سبيل إليه إلا بالوحي المعصوم، وقد أكمل الله لنا الدين، وأتم علينا النعمة، وأحكم آياته، وتعبَّدَنا بها إلى قيام الساعة، قال صلى الله عليه وسلم: ((تركتُ فيكم ما إن تَمَسَّكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا؛ كتاب الله وسُنَّتي)).
• هل يُعَنِّتُ الله عبادَهُ بتكليفِهم ما لا يُطِيقون؟ أو يُلْزِمُهم بما تضطَرِبُ به أمورهم؛ فيُفْتَنُون؟ أو يتعبَّدُهم بما يحول بينهم وبين التَّمكين في الأرض؛ فيُغْلَبون على أمرهم ويُقهَرون؟ أَيَلِيقُ بالحكيم أن يُلزِم أولياءه بما يَشْقَوْنَ به في دنياهم، ويقعُدُ عنِ الوفاء بمصالحهم، ويَهْوِي بهم إلى أغوارٍ قَصِيَّةٍ منَ التخلُّف والتَّبَعِيَّةِ؟! وهو الذي أخبر عن نفسه بأنه أرحم بهم منَ الوالدة بولدها؛ كما أخبر المعصوم؟!
• إن الجواب على ذلك كلِّه هو النفيُ القاطع، الذي يجزم به كل مَن عرف ربه، وهُدِيَ إلى تَدَبُّر آياته، وفَقِهَ عن الله قوله: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123].
وعن نبينا قوله: ((إنِّي تركت فيكم ما إنِ اعتصمت به فلن تضلِّوا بعدي أبدًا؛ كتاب الله وسُنَّة نبيه))[1].
فإذا استقرَّ ذلك كلُّه، فقدِ استَقَرَّ خُلُود الشريعة وصلاحِيَتُها لكلِّ زمان ومكان، وأن الإيمان بهذه الحقيقة من جنس الإيمان بالله ورسله.......
ما تذكر من أن الشريعة جوهرُها الثباتُ والإنسان جوهرُه التغيُّر، يُعَدُّ في الواقع تغافُلاً عن حقيقة الشريعة وحقيقة الإنسان؛ فلا الشريعة ثابتة في كل أحوالها، ولا الإنسان متغيِّر في كل شؤونه، فالشريعة منها ما هو ثابت محكَم، وهو القطعيات ومواضِعُ الإجماع، ومنها ما هو متغيِّر نِسْبِيٌّ، وهو الظنيَّات وموارد الاجتهاد؛ بل إن منها منطقة العفو التي أحالت فيها إلى التجربة والمصلحة، في إطار من قواعد الشرع الكلية ومقاصده العامة.
ولقد كان منهجُ الشريعة في ذلك كلِّه إجمالَ ما يتغيَّر وتفصيلَ ما لا يتغير، ولهذا فصَّلَتِ القول في باب العقائد، وباب العبادات، وأحكام الأسرة ونحوه، وأجملَتِ القول في كثير من المعاملات التي تتجدد فيها الحاجات، وتكثر فيها المتغيرات، واكتفت فيها بإيراد المبادئ العامة والأُطُر الكليَّة، تاركةً للخبرة البشرية أن تتصرف في حدود هذه الأُطُر بما يحقق المصلحة ويدفع الحاجة، ولهذا جعلت الأصل في العقود والشروط هو الإباحةَ إلا أن يأتي نصٌّ بالتحريم، في الوقت الذي قررتْ فيه أن العباداتِ توقيفيَّةٌ، وجعلتِ الأصل فيها هو المنعَ، حتَّى يأتيَ دليلٌ يدل على المشروعية.
لقد أمرتِ الشريعة مَثَلاً بالشُّورَى وأكَّدت عليها، ولكنَّها أحالت في أساليبها إلى الخبرة والتجربة، لأن هذه الأساليب مِمَّا يتجدَّدُ بتجدد الزمان وتطوُّر الحاجات.
ولقد جعلتِ الشريعة السلطة للأُمَّة، تُمارس بها حقَّها في تَوْلِيَة حُكَّامِها، وفي الرَّقَابة عليهم؛ بل وفي عَزْلِهِم عندَ الاقتضاء، وأحالت في وسائل ذلك إلى الخبرة والتجربة، ولم تُلزِم بشكل معيَّن قد تتجاوزه ظروف الزمان والمكان، فلا يَفِي بالحاجة ولا يحقِّقُ الغَرَضَ وهكذا، ولكنَّها لمَّا أمرت بالصلاة أوِ الحجَّ فصَّلتِ القول في ذلك تفصيلاً دقيقًا، فصلَّى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ((صلُّوا كما رأيْتُمونِي أُصَلِّي))، وحجَّ أمام أصحابه وقال: ((خذوا عني مَنَاسِكَكُمْ))، وجعل كلَّ مُحْدَثَةٍ في ذلك بِدْعَةً، وكلَّ بدعَةٍ ضَلالَةً، وكلَّ ضلالةٍ في النار
أما ما ذكرتَ من تغيُّر الإنسان، فإن ذلك ليس على إطلاقه؛ لأن من شؤون الإنسان ما هو ثابت، ومنها ما هو متغيِّر متجدِّدٌ؛ فالغرائز الفطرية والحاجات الأساسية للإنسان ثابتة مُحْكَمَة، وسيَظَلُّ الإنسان ما بَقِيَ الليلُ والنهار، ومهما تغيَّر الزمان والمكان في حاجة إلى عقيدة يعرف بها سِرَّ وجودِهِ واتصاله بخالقه، وإلى عبادات تُزَكِّي رُوحَه وتُطَهِّرُ قلبه، وإلى أخلاق تُقَوِّم سُلوكه وتُهَذِّبُ نفسَه، وإلى شرائعَ تُقِيمُ مَوَازِينَ القِسط بينه وبين غيره؛ فالَّذي يتغيَّر من الإنسان هو العَرَض لا الجوهر، الصورة لا الحقيقة، ولقد تعاملتْ نصوص الشريعة مع الإنسان على هذا الأساس؛ ففَصَّلَتْ له القول في الثابت الذي لا يتغير من حياته، وسكتتْ أو أجملتْ فيما من شأنه التغيُّر والتجدُّد، صُنْع الله الذي أَتْقَنَ كلَّ شيءٍ، ألا يَعلم مَن خَلَقَ وهو اللطيف الخبير؟!
أما ما ذكرتَ من تغيُّر الإنسان، فإن ذلك ليس على إطلاقه؛ لأن من شؤون الإنسان ما هو ثابت، ومنها ما هو متغيِّر متجدِّدٌ؛ فالغرائز الفطرية والحاجات الأساسية للإنسان ثابتة مُحْكَمَة، وسيَظَلُّ الإنسان ما بَقِيَ الليلُ والنهار، ومهما تغيَّر الزمان والمكان في حاجة إلى عقيدة يعرف بها سِرَّ وجودِهِ واتصاله بخالقه، وإلى عبادات تُزَكِّي رُوحَه وتُطَهِّرُ قلبه، وإلى أخلاق تُقَوِّم سُلوكه وتُهَذِّبُ نفسَه، وإلى شرائعَ تُقِيمُ مَوَازِينَ القِسط بينه وبين غيره؛ فالَّذي يتغيَّر من الإنسان هو العَرَض لا الجوهر، الصورة لا الحقيقة، ولقد تعاملتْ نصوص الشريعة مع الإنسان على هذا الأساس؛ ففَصَّلَتْ له القول في الثابت الذي لا يتغير من حياته، وسكتتْ أو أجملتْ فيما من شأنه التغيُّر والتجدُّد، صُنْع الله الذي أَتْقَنَ كلَّ شيءٍ، ألا يَعلم مَن خَلَقَ وهو اللطيف الخبير؟!
.
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب تعليقك هنا