موضوعات معاصرة
* اكثروا من هاذم اللذات *
اكثروا من هاذم اللذات
علموا يا رعاكم الله أن الموت مهلك العباد، وموحش البلاد، وميتم الأولاد، ومُذل الجبابرة الشداد، لا يعرف الصغير ولا يميز بين الوضيع والوزير، سيوفه على العباد مصلته، ورماحه على صدورهم مشرعة، وسهامه لا تطيش عن الأفئدة، فكم شيّعنا من الأقران، كم دفنّا من الإخوان، كم أضجعنا من الجيران، كم فقدنَا من الخِلاّن. فيا مَن يُقصدُ بالموت ويُنحَى، يا من أسمعته المواعظُ إرشادًا ونُصحًا، هلاّ انتهيتَ وارعَوَيت، وندمتَ وبكَيت، وفتحتَ للخير عينَيك، وقُمتَ للهُدى مَشيًا على قدمَيك، لتحصُل على غايةِ المراد، وتسعَد كلَّ الإسعاد، فإن عصيتَ وأبيت وأعرضتَ وتولّيت حتى فاجأك الأجل وقيل: "ميْت" فستعلم يومَ الحساب مَن عصَيت، وستبكي دمًا على قُبح ما جَنيتَ، ﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾.
واعلمو أن الموت هو مفارقة الروح الجسد، وإنه انتقال من حال إلى حال ومن دار إلى دار، ولقد سمى الله الموت في كتابه مصيبه كما قال جل في علاه: ﴿ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ﴾ (المائدة: 106) نعم الموت مصيبة لكن المصيبة الأعظم هي الغفلة عن الموت عدم تذكر الموت عدم الاستعداد للموت، لقد أوعظنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بموعظة من أبلغ مواعظه تلين القلوب وتدعو إلى المحاسبة وتذكرنا بالآخرة فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أكثروا من ذكر هاذم الذات )) نعم أيها الغالي يوم غفلنا عن الموت وسكرته والقبر وظلمته والسؤال وشدته ويوم القيامة وكرباته والصراط وحدته، يوم غفلنا عن هذه الأشياء قست القلوب وظهر الفساد في البر والبحر، فاعلمو عباد الله إن من كان للموت ذاكراً كان للموت مستعـداً، قال أبو علي الدقاق (من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاث أكرم بتعجيل التوبة ونشاط في العبادة وقناعة في القلب، ومن نسي الموت عوقب بثلاث تسويف في التوبة وكسل في العبادة وعدم القناعة في القلب )، وذكر الموت يقلل كل كثير ويكثر كل قليل، ويزهد في الدنيا، ويعين على العمل الصالح والإكثار من ذكر الله هو سبيل المؤمنين وعباد الله المتقين.
كان الحسن بن يسار كثيراً ما يقول: "يا ابن آدم! نطفة بالأمس، وجيفة غداً، والبلى فيما بين ذلك يمسح جبينك كأن الأمر يعني بع غيرك،إن الصحيح من لم تمرضه القلوب، وإن الطاهر من لم تنجسه الخطايا، وإن أكثركم ذكراً للآخرة أنساكم للدنيا، وإن أنسى النّاس للآخرة أكثرهم ذكراً للدنيا، وإنّ أهل العبادة من أمسك نفسه عن الشر، وإن البصير من أبصر الحرام فلم يقربه، وإنّ العاقل من يذكر يوم القيامة ولم ينس الحساب". إذاً يا رعاك الله مما يرقق القلوب التفكر في الموت وفي أحواله وفي القبر وظلماته، فبالله عليك أخي هل تفكرت يوماً وأنت تخرج في الصباح أنك لن ترجع إلى بيتك مرة ثانية، هل تفكرت أن هذا اليوم هو آخر يوماً لك في الحياة، هل إذا أتاك ملك الموت في هذا اليوم أنت راض عن نفسك، هل أنت راضٍ عن عملك الذي ستقابل به ربك؟ هل تخيلت حالك قبيل الموت كيف تكون؟ هل تخيلت أنفاسك الأخيرة على أي حال ستنقضي وهل ستكون ممن يحبون القدوم على ربهم أم ستكون كالعبد الآبق يطلب الرجعة؟ فيا أخي أنت الآن في مهلة فاغتنم فرصة العمل قبل انقضاء الأجل، فوالله لا ينفعك أن تقول: ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴾ فلا تغفل أيها الغالي عن الموت فإنه ليس له مكان معين، ولا زمن معين، ولا سبب معين، ولا عمر معين يأتيكم بغته وأنتم لا تشعرون ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ (الجمعة: 8)..
.
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب تعليقك هنا